جاري التحميل الآن

آخر الأخبار

الخاتم المنقوش أنا ويش أبي به .. قصة العتبان مع حسن بن مريع الحربي

قصة من تاريخ الجزيرة العربية تعود إلى ما قبل عام 1248هـ، تجسد الوفاء والكرم بين قبيلتي حرب وعتيبة.

الخاتم المنقوش – أنا ويش أبيبه

من القصص التي خلدها التاريخ في جزيرة العرب، قصة الخاتم المنقوش التي وقعت قبل عام 1248هـ، وشهدت مثالًا عظيمًا في الوفاء والكرم بين قبيلتي عتيبة وحرب. رواها عدد من كبار الرواة والمؤرخين، ومنهم الشيخ عبيد بن مقبول السراني، والشيخ غالب بن صيفي بن نماي الزواكي الحربي، والشيخ متعب بن ناهي بن عمهوج المزيني، كما وثّقها الباحث محمد بن صالح البليهشي في كتابه (وادي الفرع تاريخ وحضارة).

تبدأ القصة حين أصاب ديار عتيبة جفاف شديد أجدب فيه الزرع وجاع الناس وهلكت الماشية وضاقت الأحوال، حتى قرر بعض فرسان الزراريق ومعهم الحفاة أن يشدوا الرحال نحو وادي الفرع في ديار قبيلة حرب الكريمة، بحثًا عن من يسد حاجتهم. قادهم شيخهم ابن زراق العتيبي، ومعهم خوي من حرب، حتى وصلوا إلى الشيخ مريع بن حسن العبيدي الحربي، أحد كبار وجهاء وادي الفرع المعروف بالكرم والمروءة.

وبين الشيخين دار حوار خالد ترك بصمته في تاريخ الجزيرة العربية، جسّد أسمى معاني الثقة بين القبائل، حين قدّم العتيبي خاتمه منقوشًا باسمه رهناً للعبيدي، فقال الحربي أبياتاً خالدة أصبحت عنواناً للقصة:

الخاتم المنقوش أنا ويش أبيبه
ما غير أبنظر فيه والفايدة ماش
واللي ورى شط البحر وش يجيبه
واللي معلق بالسماء كيف يناش

فأدرك ابن زراق العتيبي مقصد الشيخ العبيدي، وردّ عليه بأبيات لا تقل فخراً وجمالاً:

اللي يسوّي الطيبة من نصيبه
يلقى بها قدمه معاميل وفراش
والبعد ما ينحى الفتى عن صحيبه
والقرب ما ينفعك بالصاحب اللاش

فهنا تجلت المروءة والكرم، حين قال العبيدي: «صدقتم، وكلٌّ منكم تكفله شيمته يا عتيبة». ثم قام إلى خزانته وأعطاهم مائة جمل محمّلة بالطعام والقهوة والكساء، لتبقى القصة شاهدة على أصالة العرب وكرمهم جيلاً بعد جيل. وبعد أن عادوا إلى ديارهم ونزل الغيث وربعت الأرض وسمنت الإبل والأغنام، اجتمع المقترضون وردّوا الدين كاملاً إلى الشيخ العبيدي مع خاتمه، وما جزاء الإحسان إلا الإحسان.

نحن اليوم بحاجة إلى إحياء مثل هذه المواقف النبيلة التي تُعيد الثقة بين الناس وتُحيي عمل المعروف والجميل. فبعد هذه القصة التاريخية توثّقت العلاقات بين قبيلتي حرب وعتيبة، وأصبح بينهما حلف ومحبة وود متبادل، حتى صاروا أقرب لبعض من أي وقت مضى.

ومن القصائد التي قيلت في مدح قبيلة حرب بعد تلك الأحداث، قصيدة الشاعر سعد بن عماش الحافي الروقي العتيبي، الذي جاور قبيلة حرب في المدينة المنورة مدة خمسة عشر عامًا، فقال هذه الأبيات الجميلة:

البارح أمسى ضميري فيه ولوالي
والعين ما ذاق لذ النوم حاجبها
ذكرت دار الوفا والمذهب الغالي
دارٍ عسى السيل يمشي في جوانبها
يا راكب اللي ليا روح مع اللالي
أسبق من الريح يوم اللّٰه يهببها
هافٍ جديدٍ اخيار الوارد التالي
من شركة فورد توّجت به مراكبها
يقوم من عندنا والفي ما زالي
وعصير طب المدينة واستراح إبها
غرهد مع السوق وارفع صوتك العالي
وسلّم على حرب حاضرها وغايبها
تلقى رجال الوفا والمذهب العالي
وتلقى الغلا عند جاهلها وشايبها
خمسة عشر عام وأنا بينهم سالي
الربعة اللي اتدلّه من يقاربها
عليهم البيض تكسي حتى الأقذالي
العزوة اللي عزيزات مذاهبها
إليا جيت بادي فكل الحي حيّالي
وإن جيت في قالةٍ راسي يطول إبها
والعلم الآخر إليا جرّج على التالي
دون الركايب إليا زلّت عجايبها

📜 وردّ عليه الشاعر عليّان مطلق المحمدي الحربي من المدينة المنورة بهذه القصيدة:

جاني جواب المعلم وانشرح بالي
من يوم شفت البيوت اللي مرتبها
يا مرحبا يا هلا بالخط وإن جالي
ومسوي القيل بأبياته وكاتبها
إن شفت مقبل عطيته وجه وإقبالي
والناس مما توجبنا نوجبها
والأجنبي ليا سكن في الدار نزّالي
ديارنا له و سيعات جوانبها
ليا صار عاقل وعارف كل مجدالي
يشرب من عدودها وصافي مشاربها
نفداه بالحال والأرواح والمالي
ولازم نعزه كما اللحية وشاربها
وأنته عتيبي عريب الجد والخالي
تعرف سلوم العرب وأيضًا مجرّبها
من ربعةٍ في الملاقا تحتمي التالي
يوم إن بعض العرب خلت ركايبها
فهود وأسود في غابات الأشبالي
ليا هاشت سباعكم ماحدٍ بقاربها
وان جاء نهارٍ يسمى هوش وقتالي
حريبكم غارته يشكي عواقبها
مثل البحر لاصفق موجه على الجالي
العالية من مزابينه يخربها

وتجدر الإشارة إلى أن قبيلتي حرب وعتيبة يجمعهما حلف قديم يُعرف باسم شبابة، ويضم معهما قبائل بني الحارث وزهران، وهو من أقدم وأقوى الأحلاف في تاريخ الجزيرة العربية، جمعهم الولاء والمروءة والنخوة ووحدة المواقف في السلم والحرب . لسماع القصة برواية الشاعر سعد المسعودي

تبقى قصص الوفاء بين حرب وعتيبة علامة مضيئة في تاريخ الجزيرة العربية، وهذه القصة واحدة من أعظم قصص الوفاء والفزعة والوقفات المشرفة والخالدة في صفحات التاريخ، مثل قصة نويشي الحربي، ودخيل البلالي، وكرم خلف بن ناحل، وموقف حجرف الذويبي، التي رسّخت اسم قبيلة حرب في سجل المروءة والشجاعة والكرم العربي الأصيل ⚜️

Share this content: