
الشاعر الأديب حمد الحجي
حمد بن سعد الحجي: سيرة شاعر الألم والحنين من مرات إلى شهار
النشأة والبدايات
وُلد الشاعر حمد بن سعد الحجي في بلدة مرات بإقليم الوشم شمال غرب مدينة الرياض عام 1357هـ الموافق 1938م ونشأ في أسرة بسيطة الحال وفقد والدته وهو في عمر الطفولة المبكرة ما ترك في نفسه أثراً عميقاً من الحزن والوحدة انعكس لاحقاً في قصائده وحساسيته النفسية المرهفة إذ نشأ متعلّقاً بشقيقته التي ربّته وأحاطته بعطفها فكوّن علاقة وجدانية قوية بالحنان والافتقاد في آنٍ واحد.
تلقى تعليمه الأولي في مرات ثم انتقل إلى الرياض والتحق بالمعهد العلمي وبعده بكلية الشريعة ومنها إلى كلية اللغة العربية ليبرز شاعرًا شابًا بين أقرانه في النشاط الأدبي بفضل لغته الجزلة وإحساسه الرومانسي العميق وكان محط إعجاب النقاد منذ بداياته.
بداية المرض وتأثير الطفولة عليه
بدأت علامات المرض تظهر على الحجي وهو في أواخر دراسته الجامعية حوالي عام 1380هـ حيث لاحظ أصدقاؤه انطواءه الشديد وتقلب مزاجه ونوبات حزن طويلة كانت انعكاساً لصدمات الطفولة التي عاشها وفقدان الأم الذي لم يبرأ منه فقد ظل يعيش حالة من الحنين المستمر إلى الطفولة والدفء العائلي المفقود مما أسهم في إصابته باضطراب نفسي فُسّر حينها بالفصام أو الاضطراب الوجداني الحاد وقد حاول الأطباء علاجه داخل المملكة وخارجها دون تحسن كبير.
مستشفى شهار والسنوات الصعبة
بعد تدهور حالته النفسية أُدخل الحجي إلى مستشفى الصحة النفسية بالطائف المعروف باسم شهار حيث أمضى فيه سنوات طويلة بين العلاج والعزلة وأصبح رمزاً للشاعر الموجوع الذي حاصرته الوحدة والمرض ورغم حالته الصعبة ظلّ يكتب بين الحين والآخر أبياتاً عذبة تفيض بالحزن والصفاء واحتفظ زملاؤه وزواره ببعضها كوثائق وجدانية مؤثرة حتى أصبحت سيرته مرادفة للألم الممزوج بالجمال.
زيارة غازي القصيبي له في شهار
أثناء فترة عمل الدكتور غازي القصيبي وزيراً للصحة زار مستشفى شهار بالطائف وهناك التقى بالشاعر حمد الحجي في غرفته التي وصفت بأنها مظلمة كأنها امتداد لحالته النفسية وقد تأثر القصيبي بالمشهد وكتب بعدها قصيدة مؤثرة تجسد الحوار الصامت بين شاعر مريض ومسؤول مفعم بالإنسانية لتبقى تلك الزيارة من أكثر المواقف الإنسانية تأثيراً في تاريخ الأدب السعودي الحديث.
مقتطف من قصيدة الزيارة
كتب القصيبي بعد لقائه بالحجي قصيدة قصيرة لكنها موجعة تصف المشهد الإنساني بين شاعر صامت ووزير يقرأ في عينيه وجع العالم كله.
| عندما زرته في المكان الكئيب | كان في غرفة باردة |
| قلت: ما حال شعرك؟ فابتسمت الدموع | ثم عاد الصمت والرماد |
| كنت أسمع صوته في الجدار | ينادي الحياة ولا يُجاب |
أثره في الأدب السعودي
حمد الحجي يُعدّ من أوائل من أدخلوا البعد النفسي والعاطفي العميق في الشعر السعودي الحديث وتميّز بأسلوب يجمع بين جزالة اللفظ النجدي وصدق التجربة الإنسانية حتى لُقّب بشاعر الحزن وهو لقب لم يكن مجازاً بل سيرةً كاملة في الألم والبوح والصفاء.
وفاته وإرثه الأدبي
توفي حمد بن سعد الحجي يوم الثلاثاء الثامن من نوفمبر عام 1988م الموافق 28 ربيع الأول 1409هـ داخل مستشفى شهار بمدينة الطائف بعد رحلة طويلة مع المرض والعزلة والكتابة الصامتة وقد شيّعه الأدباء والمثقفون بحزن بالغ وعدّوه مثالاً للشاعر الذي جسّد بصدق معاناة الإنسان بين الشعر والوجع والجنون الجميل.
من أروع قصائده – يا عيد
كتبها الحجي أثناء إحدى رحلات علاجه خارج المملكة فكانت صرخةَ شوقٍ وحزنٍ وغربةٍ يصف فيها لوعة البُعد عن أهله ومرارة العيد الذي يمرّ عليه بلا أحباب.
| يا عيد وافيت فالأشجان مرخية | سدولها ونعيم الروح مفقود |
| لا الأهل عندي ولا الأحباب جيرتهم | حولي فقلبي رهين الشوق مفؤود |
| العين ترنو وطول البين فاجعها | حسرى وإنسانها بالأفق معقود |
| تجري دموعي دماءً في محاجرها | على وسادي لها صبغ وتسهيد |
| أمسي وأصبح والأحزان تحدق بي | لا الروض يجدي ولا القيثار والعود |
| يا ساكني نجد إنا بعد بينكم | كأنما قد شوى الأضلاع سفود |
| لما أتى العيد أبكاني وهيجني | فليتني بعدكم ما مر بي عيد |
مختارات من شعر حمد بن سعد الحجي
بعد ديوانه «عذاب السنين» برزت للحجي مجموعة من القصائد الوجدانية التي خلدت اسمه بين شعراء الرومانسية السعودية، منها ما يعبّر عن شجنه العاطفي وغربته وألمه الإنساني.
في زمرة السعداء
| يا من يعيش وقلبي غير مرتاح | كأنّ قلبي في حزنٍ وأتراح |
| أضحى غريباً غريبَ الدارِ منفرداً | يشكو الأسى في خُطى الأقدار والنّواح |
ألم وحرمان
| كم بتّ ليلاً وجرحي لا ينام معي | وصوت أنيني على الأوتار مطرود |
| يا مَن رأى قلب شاعرٍ في لوعةٍ | يبكي الرجاء ودمع العين مورود |
الربيع الفاتن في نجد
| يا ربيع نجدٍ تهادت زهرُك الحسَنُ | لكنّ قلبي في أحزانه سكنُ |
| أبصرت وردك لكني بلا أملٍ | فالعمر يمضي وقلبي فيه يُفْتَتَنُ |
رسالة حب
| كتبت للقلب أني في الهوى وجد | وفي انتظارك لا صبر ولا جلد |
| أهفو إليك وشوقي لا نهاية له | كأنه البحر لا ساحل ولا أمد |
الخاتمة: شاعر الألم الأبدي
رحل حمد بن سعد الحجي جسداً في شهار لكنه بقي روحاً تهمس في ذاكرة الأدب، فقد كتب الشعر ليبوح بوجعه ويجد في القصيدة علاجاً من نوع آخر، فكان مثالاً للشاعر الذي صاغ الألم جمالاً والمرض إلهاماً، لتبقى كلماته تفيض بالحياة كلما ذُكر اسمه في سماء الشعر السعودي.
Share this content:













